بسم الله الرحمن الرحيم
إسهام في إحياء بطولات المقاومة الوطنية
من خلال نبذة عن إمام وقائد معركة
"لــيـلـة تـوجـنـيـن الـدامـيـة"
إعداد د./ محمد فاضل ولد الجيه
ضمن الأنشطة المخلدة لبطولات المقاومة الوطنية، عهدت
إلينا "الرابطة الوطنية لتخليد بطولات المقاومة" بإعداد ورقة حول غزوة
توجونين Toujounine، وإمامها، الشيخ محمد المامون ولد الشيخ محمد فاضل
ولد محمد. وعلى جسامة المهمة وصعوبتها، اعتبارا بأن إمام غزوة توجنين، أعلن أصلا،
الجهاد على الفرنسيين من فاس، وأن التجزئة والحدود التي عرفتها المنطقة بسبب
الاستعمار وأقرت في أذهاننا لاحقا، لم تكن معروفة لدى أسلافنا. مع أنه قد آن لنا
أن نتصالح مع ذواتنا، حتى نرى تاريخنا في كافة أبعاده، ونستحضر ماضينا، ونستلهم
منه العبر، لاسيما أن الدولة بذلت أخيرا، خطوات هامة في هذا الاتجاه.
ويزيد من صعوبة
المهمة أن الذاكرة الوطنية بشكل عام، لا تميز ما بين محمد المامون ولد أعل الشيخ
ولد الشيخ محمد تقي الله شقيق وجاهة، والشيخ محمد المامون ولد الشيخ محمد فاضل ولد
محمد، الإمام والقائد العام لغزوة توجنين.
فكلا المأمونين، حمل لواء الجهاد في بلاد شنقيط، على
اختلاف مذهبيهما فيه. فالأول (محمد المامون ولد أعل الشيخ) حمل لواء الجهاد، ما
بين سنة 1925 وسنة 1927، واستشهد رحمة الله عليه بتاريخ 03 يوليو 1927 بآكليل،
شمالي ولاية الترارزة.
أما الشيخ محمد
المامون ولد الشيخ محمد فاضل ولد محمد ولد عبيدي، والذي حمل لقب "سلطان
تازه"[1]؛
فهو من مواليد آدرار، وقد انطلق في الجهاد من فاس سنة 1911، بعدما عاد إليها من
الحج ولاحظ ما فعل الفرنسيون بالسلطان مولاي عبد الحفيظ، واستمر في الجهاد إلى سنة
1932[2]،
وشغل جبهة واسعة امتدت من الريف في أقصى الشمال المغربي، إلى تافلالت، ثم اتسعت
سنة 1930 لتشمل بلاد شنقيط. وتدخل غزوة توجنين في السابع من سبتمبر 1931، ضمن هذا
السياق. وبصدد الفترة التي أمضى الشيخ محمد المامون ولد الشيخ محمد فاضل ولد محمد
في الجهاد، فإنه حددها هو بنفسه، ونجد ذلك، في قصيدة له يمجد فيها الشعب
والاستقلال، فيقول في مطلعها:
أعد لي حديث الشعب من كل جانب بعيد انطماس الشعب عهد الأجانب
وشنف به الآذان وأصدع بأمره وساقي حميا وصفه كل شارب
ويستمر الشيخ محمد
المامون فيسرد رحلة حجه، ثم يتابع إلى أن يصل إلى جهاده، فيقول:
ومن بعد حجي ما برحت مجاهدا ولله ما لاقيته من عجائب
فسل عن رباطي في البرابر يا فتى وسل
عن مغازي في صحراء العوارب
فإحدى وعشرون السنون تتابعت عــلى مـهـجـتي مـن طالب ومطالب
فطورا تعلو بنا ذرى مرجحنة وطورا على شط النوى في السباسب
وبالجوع أحيانا نروح ونغتدي وفسطاطنا بين السرى والمخالب
أما معركة "ليلة توجنين الدامية"، كما وصفها النقيب الفرنسي دوتوه لويوسكي d’OTTON LOYEWSKI،
في كتابه "الغزوات على آدرار"، فهي المعركة الضارية التي اندلعت فجر
السابع من سبتمبر 1931.09.07 بين المجاهدين، بقيادة الشيخ محمد المامون ولد الشيخ
محمد فاضل ولد محمد، والفرقة الفرنسية المتنقلة لشنقيط، بموقع توجنين إلى الشمال
من أطار، على مسافة تقدر بحوالي 50 كلم. وقد كانت الغلبة في هذه المعركة
للمجاهدين، على الرغم من الموقع الحصين الذي كانت تتخذه الفرقة المتنقلة، وعلى
الرغم من حالة الاستنفار
القصوى التي كانت معلنة بين أفرادها.
وتشكل
معركة توجنين فصلا ناصعا من فصول المقاومة
الوطنية، بالرغم مما تعرضت له من تعتيم من قبل أكثر من جهة، ولأكثر من سبب، وإن
كان جل العتب في ذلك يقع على الجهات الرسمية وعلى المثقفين، لاسيما القيمين على
تدريس تاريخ المقاومة الوطنية، والمهتمين به. فلا نكاد نجد ذكرا لهذه المعركة
إطلاقا، في المناهج المدرسية، ولا المناسبات الوطنية، على الرغم مما تكبده
الفرنسيون خلالها من خسائر بشرية، لم يعهدوها في معارك أخرى، إذا استثنينا معركة
لبيرات بتاريخ: 1913.01.10.
وقد
اندلعت معركة توجنين كما أسلفنا، فجر السابع من سبتمبر سنة 1931، عند الساعة
الثالثة، فسيطر المجاهدون منذ الوهلة الأولى، على مربع القناصة، الذي لم يبق من
مدافع عنه سوى الجثث[3]. ولم يغادروه إلا عند الساعة العاشرة والنصف قبل
الزوال. وقد قتل من الفرنسيين: الملازم بلاه Blanc، الرقيب أول أورديوني Ordioni، الرقيب مارتيني Martini والرقيب دلبوه Delpont، وسقط اثنان وثلاثون (32) من كتيبة القناصة السنغاليين، وحرسيان
وإثنان من رجال الميليشيات (Partisans). بالإضافة إلى خمسة
من القناصة وحرسي، كانت جراحهم قاتلة[4].
وبالتالي فإن الخسائر البشرية للفرقة المتنقلة بلغت خلال معركة توجنين ستة وأربعين
(46) قتيلا، مقابل تسعة عشر (19) شهيدا[5]
في صفوف المجاهدين، كان من بينهم التقي ولد المامي، وسلمه ولد لحسن، رحمة الله
عليهم.
بنفس
القدر تعرض للتجاهل إمام[6]
غزوة توجنين وقائدها العام، الشيخ محمد المامون ولد الشيخ محمد فاضل ولد محمد،
الذي حمل لواء ذلك الفصل من فصول المقاومة الوطنية، بما فيه معركة أم التونسي التي
جرت بولاية الترارزة، بتاريخ: 1932.08.18.
المبحث الأول: نشأة الشيخ محمد
المامون ولد الشيخ محمد فاضل ولد محمد ورحلاته
سنقسم
هذا المبحث إلى فقرتين، سنعرض فيها للتعريف بالشيخ محمد المامون ولد الشيخ محمد
فاضل ولد محمد ونشأته (الفقرة الأولى)، ثم نعرض لرحلاته في (الفقرة
الثانية).
الفقرة
الأولى: الشيخ محمد المامون ولد الشيخ محمد فاضل 1873ـ 1907
إنه
الشيخ محمد المامون ولد الشيخ محمد فاضل ولد محمد ولد أعبيدي، ولد السيد والفاضل
ولد الجيه المختار الشريف القلقمي الإدريسي الحسني. ولد حوالي سنة 1873
ببلاد شنقيط، بنواحي حاضرة الجريف، الواقعة حوالي 80 كلم إلى الشرق من مدينة أطار
بولاية آدرار. والده الشيخ محمد فاضل[7] ولد
محمد لعبيدي؛ أول من خرج من الحوض من أهل الجيه المختار، في حياة شيخنا محمد فاضل
ولد مامين. هاجر الشيخ محمد فاضل ولد محمد وحيدا إلى الشمال، مصطحبا لوحه، وهو لا
يزال طفلا يافعا، ومر بولاته وتشيت، إلى أن وصل إلى حاضرة شنقيط ثم انتقل منها إلى
وادان قاصدا العالم الجليل، لمرابط الطالب أحمد ولد طوير الجنة. وتربت بينه وبين
المرابط الطالب احمد، علاقات محبة حميمة. قبل أن يستقر بالباطن وتجتمع حوله أشتات
من الناس شكلت قبيلة تختص باسم أهل الشيخ محمد فاضل. والدة الشيخ محمد المامون ولد
الشيخ محمد فاضل ولد محمد هي صفية بنت عبد الله ولد حيالله ولد أفلواط ولد مولود،
توفيت رحمة الله عليها ولما تبلغ الرابعة والعشرين من العمر.
وقد نشأ
الشيخ محمد المامون في كنف والده الشيخ محمد فاضل ولد محمد ولد أعبيدي، وأخذ عنه
العلم. وبرع الشيخ محمد المامون في الشعر والأدب الحساني، إلى أن صار من كبار
الأدباء والشعراء. ودرس التاريخ والجغرافية دراسة معمقة، فكان على معرفة واسعة
بالبلدان ومناخها وتضاريسها، ونقاط المياه، والمعابر. كما درس الأنساب، بما يؤهله
لمعرفة القبائل والسكان وعاداتها، وعلاقاتها. وقد أعانته على ذلك فطرته، التي
امتازت بالشجاعة والذكاء، وقوة الذاكرة، وحب التطلع، والرغبة في التميز، والتشبث
بالمبادرة وتحقيق الانجازات[8].
ومارس خلال نشأته فن الفروسية وركوب الإبل، وفن الرماية على المدافع الخفيفة، وفن
المبارزة.
ولم يكد
الشيخ محمد المامون يبلغ الرابعة والعشين من عمره، حتى وجد في نفسه الأهلية لأن
يلعب دورا عظيما، لم تتضح له معالمه له بعد، ولا أين سيكون؟ فيستحضر أن والده
الشيخ محمد فاضل ولد محمد: كان غالبا ما يضع يده على رأسه في صغره، ويقول في أقصى
ما يكون من التعجب والتأثر: "لا إلاه الا الله يابني، أي سماء تظلك وأي أرض
تقلك".
الفقرة الثانية: رحلات الشيخ محمد
المامون ولد الشيخ محمد فاضل ولد محمد
قبل أن
يرحل الشيخ محمد المامون ولد الشيخ محمد فاضل ولد محمد، من بلاد شنقيط في رحلة
الحج، تنقل رحمه الله تعالى عليه، خلال فترة وجيزة في مختلف مناطق شنقيط، كالحوض الشرقي والحوض الغربي ولبراكنة
وتكانت والترارزة، وتعرف على محاظرها وأهل الشهرة من علمائها وفقهائها، وذلك قبل
سفره إلى فاس المحروسة سنة 1907.
رحلته الى فاس سنة 1907
رحل سنة
1907 إلى فاس، وكان على حداثة سنه،
يجالس علماءها الأجلاء ويناقشهم، وتوطدت بينهم محبة وصلة وثيقة، والتقى بأعيانهم
كالسيد احمد الخياط، والسيد العراقي قاضي فاس والسيد الفاطمي
الشرادي رئيس المدرسين بفاس والسيد الكبير الكتاني شارح القرآن والسيد
المهدي الوزاني صاحب نوازل المعيار والسيد امحمد العلمي إمام أهل
الحساب والسيد عبد السلام العلوي مفتي المالكية والسيد مولاي أحمد البلغيث الشاعر
المطبوع إمام الأدباء، هذا كلام المجاهد الشيخ محمد المامون، نقله عنه مباشرة، ابن
أخيه، الذي لازمه في آخر حياته، محمد فاضل ولد الشيخ سعدبوه ولد الشيخ محمد فاضل
ولد محمد[9].
من فاس يذهب
الشيخ محمد المامون إلى طنجة فيأخذ طريق البحر إلى مصر
وبعد
مقامه بفاس أخذ الشيخ محمد المامون ولد الشيخ محمد فاضل طريقه إلى المشرق العربي.
فمن طنجة توجه إلى الإسكندرية، فزار من فيها من الأولياء والصلحاء كالبصيري
والإمام السبتي. ومن الإسكندرية توجه الشيخ محمد المامون ولد الشيخ محمد فاضل، إلى
مصر العتيقة، فأقام بها برهة من الزمن يتردد بين الأزهر وقرافة أبي محمد الشافعي،
ومحمد بن مالك، وتردد على ما لا يقف تحت حصر، من أضرحة العلماء والملوك.
ومن مصر
رحل إلى بيروت الشام والمسجد الأقصى
ومن مصر
أخذ الشيخ، طريقه إلى بيروت الشام، حيث لازم شيخ الإسلام عبد
الرحمان الحوت، ثم يوسف النبهاني. ومن بيروت الشام توجه إلى بيت المقدس
بالمسجد الأقصى، فزار من حوله من الأنبياء، وكذا زار أضرحة الأولياء كإبراهيم
بن أدهم وزار مريم ابنة عمران والخليل عليه السلام ومن في طريقه من الأنبياء كيونس
بن متى.
ثم يتمادى
إلى الشام الأكبر أي
دمشق
ثم تمادى
الشيخ محمد المامون رحمة الله عليه، إلى الشام الأكبر أي دمشق الشام
حيث زار الشيخ الكردي قرب المنارة البيضاء، مهبط المسيح عليه السلام، وأقام بجامع
الأمويين، الذي يوجد به قبر بعض أعضاء يحيى بن زكرياء عليه السلام، الذي مزقه
اليهود مزقهم الله.
ومن دمشق
رحل إلى المدينة المنورة ومنها ذهب لأداء فريضة الحج
ومن
الشام انتقل الشيخ محمد المامون ولد شيخنا ولد محمد، إلى المدينة المنورة،
على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، فتردد على المسجد النبوي الشريف، والبقيع
والمزارات، ومن المدينة المنورة انتقل الشيخ محمد المامون إلى المسجد الحرام،
حيث أدى الحج والعمرة.
ثم يعود
إلى مصر ومنها
إلى اصطنبول
وبعد
أداء فريضة الحج، عاد الشيخ محمد المامون إلى مصر، ومنها ذهب إلى اسطنبول بلستانة
العلية. وصطنبول ولستانة والقسطنينية، كلها أسماء لمدينة واحدة كانت عاصمة للدولة
العثمانية، قبل نقل العاصمة من قبل مصطفى كمال أتاتورك إلى أنقره. وقد سافر إليها
الشيخ محمد المامون وكان ذلك بعد خلع المولى عبد الحميد خان سنة 1909.
ثم يعود
من اصطنبول الى مصر
ثم عاد
الشيخ محمد المامون مرة أخرى إلى مصر، وأقام عدة شهور بالإسكندرية
عند ملك مصر عباس باشا حلمي الثاني الخديوي.
ومن
الإسكندرية يرحل إلى طرابلس الغرب ومنها الى تونس
ومن
الإسكندرية أخذ طريق البحر إلى طرابلس ومنها إلى تونس التي
أقام بها شهرين التقى خلالهما بعلماء جامع الزيتونة. وخلال الإقامة بتونس
ألف كتابا في مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، سماه: "الزهر الزاهر في
مولد أفضل الأوائل والأواخر". لكن هذا الكتاب سيضيع قبل الطبع، أثناء
حقبة الجهاد في بلاد البرانصة بمنطقة تازة. ومن تونس ينتقل الشيخ محمد
المامون إلى فاس.
المبحث الثاني: الشيخ محمد المامون ولد
الشيخ محمد فاضل ولد محمد
يعلن الجهاد على الفرنسيين من فاس سنة
1911 م
الفقرة
الأولى: الشيخ محمد المامون يفتح جبهة تمتد من الريف إلى تافلالت
01.جهاد الشيخ محمد المامون ولد الشيخ محمد فاضل ولد محمد (1911 إلى
1932)
لما عاد الشيخ محمد المامون ولد الشيخ محمد فاضل ولد محمد إلى فاس،
ولاحظ ما فعل الفرنسيون بالسلطان مولاى عبد الحفيظ، عزم على الجهاد، فانطلق سنة
1911 من:
ü
منطقة وجدة وذلك بسبب ظهور الفرنسيين في بني ازناسن،
ü
ثم إلى بلاد الأحلاف،
ü
فقبائل ملوية بني بويحيى،
ü
فمطالصة وهوارة،
ü
وبني ورين الجبليين،
ü
وغياثة والبرانصة،
ü
وقبائل الريف،
ü
وقبائل ورقة جميعا.
كان أول
رباط للشيخ محمد المامون ولد الشيخ محمد فاضل ولد محمد، بالنخيله، وقد استمر هذا
الرباط والمعارك مدة طويلة من الزمن، هزت كيان المستعمر الفرنسي، وشتت شمله.
ثم أقام رباطا ثالثا، بمظلن، ببلاد بني بو يحيى
وامطالصة.
ثم أقام الشيخ محمد المامون رباطا بوادي امسون.
ثم رابط بوادي بولجراف في غياثة.
ثم رابط بسد بشعشوع في البرانصة ومقراوة، وفي هذا الرباط
أصيب الشيخ محمد المامون بجروح[11]،
وكان ذلك بتاريخ: 1913.04.20.
ثم توجه الشيخ محمد المامون إلى الريف[12]،
فحشد القبائل وأقام رباطا، على وادي كريب، وعلى (قليعة) وهي الناضور حاليا. ثم
اقام رباطا باجنادة في بني سعيد. ثم أقام رباطا على عزيب ميضر في بني تزين
واكزناي. لقد خاض الشيخ محمد المامون هذه المرحلة من الجهاد، قبل أن يتصل به محمد
بن عبد الكريم الخطابي، الذي انطلق في الجهاد سنة 1920، بعدما استقال من وظيفته
لدى الأسبان، وأعلن عليهم الجهاد. ويقول الشيخ محمد المامون، أن محمد بن عبد
الكريم، أتاه خلال رباطه على عزيب ميضر في بني تزين واكزناي، فطلب منه المساندة
وتوحيد الصف ضد المستعمر الاسباني. فاستجاب الشيخ محمد المامون لطلب محمد بن عبد
الكريم، فقاما بتخطيط وتنسيق محكمين بحشد القبائل، وتعزيز الصفوف، مما تمخض عن
المعركة الفاصلة في تاريخ المقاومة بالمغرب، معركة أنوال [13]
سنة 1921. التي دمرت فيها للعدو في ليلة واحدة، حصيلة
خمس عشرة سنة، وتم الاستيلاء على خمسة وعشرين ثكنة عسكرية، بحسب رواية الشيخ محمد
المامون رحمة الله عليه[14].
وهذه المعركة هي التي ذاع من بعدها اسم المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي، رحمة
الله عليه.
وبعد ذلك، عاد الشيخ محمد المامون إلى بني ورين وآيت
سرغوشن ومرموشة في تازة، وإلى أطاط الحاج ورابطوا في وادي انداز مع غزلان وبني
اعلاهم ودخلوا أيت يوسف وبلاد صفرو.
وعلى كل فإن الشيخ محمد المامون، يقول أنه هو الذي كان
يحشد القبائل ويصلح بينها ويحرضها على الجهاد، ويشد العضد لكل قبيلة، فيرابط في
بلادها، ويدافع عنها، وذلك من الريف إلى تفلالت. ولم يجد العدو سبيلا للتخلص من
الشيخ محمد المامون، فكلفوا اثني عشر عميلا، يدعي كل واحد منهم أنه أمير مجاهد.
وكانت أجور هؤلاء العملاء المتظاهرين بالجهاد، مدفوعة من قبل فرنسا وانجلترا
وايطاليا واسبانيا[15].
وقد أغدقت عليهم هذه القوى الاستعمارية الأموال الطائلة، مما كان سببا في تقهقر
القبائل وتشتيت الرأي ، وتبديد الجهود. كما لعبت من جهة أخرى، كتابات الوشاة
والدعاية المضادة للشيخ محمد المامون، دورا بارزا في بلوغ العدو لأهدافه.
وتجدر الإشارة إلى أنه، خلال هذه الحقبة من الجهاد أجرى
الشيخ محمد المامون اتصالات بالدول المعادية لفرنسا (آلمانيا، النمسا ...) وطلب
منها بإلحاح التدخل ضد فرنسا.[16]
02. الشيخ محمد المامون يسلم نفسه للمقيم العام الفرنسي بالمغرب
اجتمعت كل هذه العوامل، لتغري بعض ذوي النفوس الضعيفة،
بالتفكير بالمكر بالشيخ محمد المامون رحمه الله، بغية جلبه لسلطة الاحتلال الفرنسي
بالمغرب. فلما أحس الشيخ محمد المامون الحيلة، وتحقق الخديعة، آثر أن يسلم نفسه
للفرنسيين قبل أن يسلمه غيره. ففاجأ الشيخ محمد المامون، المقيم العام الفرنسي
بالقدوم إليه، وأخذ يلقي عليه في سياسة اللوم.
فرد المقيم العام الفرنسي على الشيخ محمد المامون:
"إني معتز بقدومك، لكني متحير في أمرك"، فأجاب الشيخ محمد المامون:
"كنت أقاومكم وأجاهدكم، واليوم تنازلت بمحض اختياري لا بإرادتكم، أريد
مسالمتكم والأمن منكم، وأن تسمحوا لي بمقابلة مع المولى يوسف". فقبل المقيم
العام، وأذن للشيخ محمد المامون بمقابلة مولاى يوسف، لكن المقابلة جرت بحضور
المقيم العام الفرنسي.
وبالنظر إلى أن الشيخ محمد المامون ذكر أن عبد الكريم
الخطابي لم يلبث بعده إلا ثلاثة أشهر، وأنه مكث تحت الإقامة الجبرية غير المعلنة
خمس سنوات: سنة في الجديدة، وأربع سنوات في تارة، فإن تسليم الشيخ لنفسه كان على
ما يبدو في سنة 1926. فهذه السنة بالذات هي التي، استسلم فيها محمد بن عبد الكريم
الخطابي للفرنسيين.
03. الفرنسيون ينقلون الشيخ محمد المامون إلى الجديدة
بعد ذلك، أرسل الفرنسيون الشيخ محمد المامون إلى مدينة
الجديدة على المحيط الأطلسي، وألحقوا به مشايخ القبائل الذين كانوا معه في
البرانصة وادسول ورجال محمد بن عبد الكريم الذي أصابه من تقهقر القبائل وتشتيت
الرأي ما أصاب الشيخ محمد المامون، ولم يلبث محمد بن عبد الكريم، بعد الشيخ محمد المامون إلا ثلاثة أشهر، استسلم
بعدها للقوات الفرنسية.
وأقام الشيخ محمد المامون ولد الشيخ محمد فاضل ولد محمد،
بعد ذلك سنة، بمدينة الجديدة، الواقعة على شاطئ الأطلسي. ويذكر الشيخ محمد المامون
أن أهل الجديدة بالغوا في إكرامه، وتقديره، فجازاهم الله خيرا، بأحسن الجزاء.
04. نقل الشيخ محمد المامون إلى تازه
نقل الفرنسيون الشيخ محمد المامون من الجديدة إلى تازة،
فأقام بها أربع سنين، كلف خلالها بإمامة مسجد العذراء بتازة، وإلقاء دروس بالجامع
الأعظم، جامع يعقوب المنصور، بالإضافة إلى وظائف أخرى، متعددة.
وخلال هذه السنوات الخمس، التي قضى الشيخ محمد المامون،
في الإقامة ما بين الجديدة وتازة، والتي كانت تقع ما بين 1926 ـ 1930، كان الشيخ
يدرك تماما، أنه يقضي فترة سجن غير معلن، تمت التغطية عليه بالوظائف التي أوكلت
إليه من قبل السلطات الفرنسية، فكان يفهم السر، ويخشى المكر، ويدبر طريق الخلاص من
الفرنسيين نحو الصحراء التي لا زالت آنذاك خارج النفوذ الفرنسي. فعمل الشيخ محمد المامون الحيلة وخرج متنكرا
إلى الصحراء.
05. الإفلات من قبضة الفرنسيين والحكم الغيابي بالإعدام والتوجه إلى قبائل واد
نون
وبعد إفلات الشيخ محمد المامون ولد الشيخ محمد فاضل ولد
محمد، من قبضة الفرنسيين بتازة، أصدروا عليه حكما غيابيا بالإعدام[17]،
ينم عما كانوا يبيتون له من شر، ويضمرون له من كره. اجتمع الشيخ محمد المامون،
بقبائل إيتوسه وأدوبلال وامريبط واعريب وآيت خباش كما اجتمع بتجكانت، لكن
الفرنسيين تمكنوا بفعل الوشاية والإغراء بالرشوة من القضاء على محاولة الشيخ محمد
المامون لاستعادة زمام المبادرة في المقاومة. فحاول الشيخ مرة أخرى، مع آيت
بعمران، وذلك عن طريق المختار ولد عمار ولد الناجم، أحد عظماء أهل واد نون، ومن
خلال مؤتمر عقده الشيخ محمد المامون معهم، لكن الفرنسيين كانوا بالمرصاد لهذه
المحاولة الجديدة، مما اضطر الشيخ محمد المامون للخروج من وادنون، والتوجه إلى
قبائل الرقيبات.
الفقرة الثانية:
الشيخ محمد المامون يحمل راية الجهاد في بلاد
شنقيط
ويفتح الجبهة من
جديد على الفرنسيين
رحل الشيخ محمد المامون من وادنون، قاصدا قبائل
الرقيبات، فدعاهم كما يقول، إلى الجهاد والابتعاد عن أكل أموال المسلمين في كل
البلاد، كما هي عادته وشريعة الجهاد. فتلقى الرقيبات الشيخ محمد المامون بكل حفاوة
وترحاب. وكان الأديب والمقاتل المتمرس، أدخيل ولد سيدي بابا، على كبر سنه، يحث قومه
على الالتحاق بالشيخ محمد المامون، ويحرضهم على الجهاد معه، قائلا لهم:
لين أعطاكم من مد قطب الدوله لا ترخول
سيروا شور أعدوكم وأعد ملان وأعدو مرسول
وخلال هذه المرحلة الجديدة من الجهاد، قاد الشيخ محمد
المامون بنفسه الجهاد، وبعث بالغزوات بعد أن تعرض لكسر في فخذه، إثر ترديه من
راحلته، أثناء التحضيرات للجهاد، وكان ذلك في مهامه غلمان.
01. غزوة
توجنين
فشكل الشيخ محمد المامون، غزوة ضخمة داهمت الفرقة
المتنقلة لشنقيط، بموقع توجنين، بتاريخ: 1931.09.07،
والتي نحتفي الآن بذكراها الواحدة والثمانين. وقاد الشيخ محمد المامون هذه الغزوة
بنفسه، وبمساعدة القادة الميدانيين: أحمد ولد حمادي، احمد سالم ولد احمد بابا
والتقي ولد المامي.
وخلال التحضير لمعركة توجنين، ظل الشيخ محمد المامون ولد
الشيخ محمد فاضل ولد محمد، يحث قومه على الابتعاد عن التعرض للمسلمين بأي مكروه،
ويؤكد لهم أن المستهدف هم الفرنسيون دون غيرهم، وكان لا يفتأ يذكرهم بمضرورة النأي
بأنفسهم عن استهداف المسلمين، والارتقاء عن الحساسيات التقليدية التي كانت مستحكمة
في المنطقة أنذاك، ويدعوهم إلى الإخلاص في الجهاد، لله سبحانه وتعالى:
يا ارقيب قبل مندفع لا تجرن لخصاره
أحن بالله أبشرع ما أنظر ماه أنصار
لا تخالف الله فأمر إل خالف إحط قدر
الفات ما انجيب خبر ألا أنجيب من حد أدصاره
ذاك كيف الميت أفقبر فات صار إلى ما صار
ويستمر الشيخ محمد المامون ولد الشيخ
محمد فاضل، في تحريض قومه، بعد أن أصبحت الغزوة المتجهة إلى توجنين، على مشارف
آدرار، فيقول:
يا الناس أعدو نبين بيه شين عند لبلاد
آدرار أقراب علين ما
تلاو الكفار أبعاد
ما تل لكعاد إجين عاد
شين أعلين لكعاد
يا الناس الكفار أذلال لا تهاب
كوم الضلال
حد كام أبصالح لعمال ما يخاف
أعمال الفساد
جاهد لله أبلحلال لا
تخون رب العباد
لا تعز عن ذاك المال مال ماه
لله أنكاد (الخ)
وكان الشيخ محمد المامون، أحرص ما يكون
على أن يتشبث المسلمون بدينهم، وعلى أن لا يموت أي منهم إلا على كلمة الشهادة، حتى
ولو اضطر، للقتال في خندق واحد مع
الفرنسيين.[18]
ويقول الشيخ محمد المامون، بعد أن سحقت
الغزوة، الفرقة المتنقلة لشنقيط، بموقع توجنين:
عنك لحك لل مسلم خبر الغزوه ألتومنه
يتهن بيه حد أعلم مسلم ول لا يتهن
لحك عنك للمسلمين أخبر ذ الغزوه
مجتمعين
صنكت برميل أفتو جنين أرفدناه فوك الظنه
من عدته عمر ليدين أبجف عمرت جهن
واحن مات من وحدين واسعين كوللهم عن
ذوك المات مجاهدين أداو
الواجب والسنه
والحيين أعل الحيين يفتخر لله
المنه (إلخ)
02.هل كان الشهيد الأمير سيد احمد ولد أحمد ولد
عيده
يزحف أثناء
هجرته إلى حشود الشيخ محمد المامون في غلمان؟
يبدو أن الشهيد الأمير سيد احمد ولد أحمد ولد
عيده، استشهد على مسافة أقل من يوم من المسير من حشود الغزوة التي كانت تتهيأ في
غلمان، تحت قيادة الشيخ محمد المامون،[19] فهل كان الأمير يزحف عن وعي، أثناء هجرته
للالتحاق بالغزوة التي كانت تجري استعداداتها الأخيرة بغلمان؟ مهما يكن فإن مفرزة
الملاحقة (الفزعة) التي طاردت النقيب لكوك، واستهدفته بشكل دقيق فأوشكت على قتله،
مما اضطره لاتخاذ درع بشري من وصيفه صامبا راسين[20]،
الذي أصيب بجرح قاتل، كانت هذه الفزعة (دورية الملاحقة) جزءا من غزوة الشيخ محمد
المامون. وللتذكير فإن صامبا راسين هو الذي كلفه النقيب لكوك، بالتمثيل بجثة الشهيد
الأمير سيد أحمد. كما تجدر الإشارة إلى أن بقية رجال الأمير التحقوا بالشيخ محمد
المامون.
03.الشيخ محمد المامون يعقد اللواء لأحمد ولد
حمادي وأعل ولد ميارة ويوكل إليهما
الإجهاز على ما تبقى من الفرقة المتنقلة لشنقيط
بعد معركة توجنين
بعد معركة توجنين، عادت غزوة الشيخ محمد المامون إلى
قواعدها الخلفية في الشمال، وأخذت تستعد للإجهاز على ما تبقى من الفرقة المتنقلة
لشنقيط، وخلال مطلع سنة 1932 كان الشيخ محمد المامون، يجري الاستعدادات الأخيرة
لحشوده في منطقة غلمان[21]،
وكان على وشك التوجه بنفسه لآدرار للإجهاز على ما تبقى من الفرقة المتنقلة لشنقيط،
غير أن حادثا مفاجئا، أعاق قيادة الشيخ محمد المامون بنفسه للغزوة. فقد وقع الشيخ
أثناء المناورات من راحلته، فأصيب بكسر في
فخذه، فنادي في مطلع شهر ابريل 1932 على الزعيمين: أحمد ولد حمادي وأعل ولد مياره[22]،
وعينهما على قيادة الغزوة، المتجهة لآدرار. وستنطلق هذه الغزوة الضخمة لتنفيذ
مهمتها؛ غير أنها ستخسر عنصر المباغتة ضد الفرقة المتنقلة، عندما تحل بمقطير على
خيمة بوبيه ولد آفرييط.
04.
الشيخ محمد المامون يعقد اللواء في غزوة أم التونسي للمجاهد سيدي ولد الشيخ
ولد لعروصي ويوكل إليه القضاء على الفرقة المتنقلة
للترارزة
ضمت حشود المقاومة التي كانت تجري استعداداتها في غلمان
تحت إمرة الشيخ محمد المامون ولد الشيخ محمد فاضل، كافة قبائل الشمال والغرب
الموريتاني، فبالإضافة للرقيبات، خاصة السواعد والتهالات، كان ثمة أولاد دليم،
أولاد بسباع، لعروسيين والزرقيين.[23]
وبعد أن أعيق الشيخ محمد المامون عن القيادة الميدانية للجهاد، بسبب كسر رجله،
أوكل القيادة لقادة مرموقين. فبعدما رأيناه آنفا من عقده اللواء في مطلع سنة 1932،
لأعل ولد مياره وأحمد ولد حمادي، وتكليفهما بالزحف على ما تبقى من الفرقة المتنقلة
لشنقيط، فإن عين المجاهد الشيخ محمد المامون كانت ترقب الفرقة المتنقلة للترارزة Groupe nomade du Trarza، فعقد اللواء للمجاهد سيدي ولد الشيخ ولد لعروصي،
وأوكل إليه قيادة الغزوة المتجهة للترارزة. وقد داهمت هذه الغزوة، الفرقة المتنقلة
للترارزة بتاريخ: 1932.08.18، وقضت على قائدها النبيل الفرنسي، الملازم دو
ماكماهون De
Mac-Mahon (يعرف لدى البظان بمقمق)، وخمسة
ضباط صف، وعشرة من القناصة، وإثنان وعشرين من الحرس.
وقد استشهد من الغزوة سبعة وعشرين رجلا (27)، من
بينهم قائدها الميداني سيدي ولد الشيخ ولد
لعروصي، الذي أصيب بجرح قاتل
في أم التونسي، وأستشهد لاحقا، رحمة الله عليه، ويوجد ضريحه في منتصف الطريق
تقريبا، بين انواكشوط وانواذيبو. وللشيخ محمد المامون في ذلك نظم بالللهجة
الحسانية، يعرف ب "اتهيدينة" المجاهدين، نظمه بعدما عقد اللواء لسيدي
ولد الشيخ ولد لعروصي، وقبل انطلاق الغزوة.[24]
غير أن التعتيم دفع أحيانا، البعض لوصف معركة أم التونسي، بمعركة بلا قائد، ذلك
بالإضافة إلى ما كان لسلطة الاحتلال من رغبة في تقزيم بطولات المقاومة الوطنية،
وإفراغها من مضمونها الديني والوطني، وإظهارها بمظهر الأعمال الهمجية، التي يشنها
بعض قطاع الطرق، الذين لا هم لهم سوى النهب وزرع الرعب بين السكان، وذلك بحسب
دعايتهم، من أجل إعاقة الرسالة (النبيلة) للاحتلال الفرنسي. ويقول الشيخ محمد
المامون ولد الشيخ محمد فاضل ولد محمد، بعدما تلقاه الفرنسيون، من ضربة في الصميم بعد
غزوة أم التونسي:
كول ألتروز
فتطراح عن ما نكره نجاح
وأن نبغ زاد
صلاح من مارته باطل عند
كوم الصنكه كان أصحاح
وأعلين صنكاو أهد
روحناهم كيفن
طاح من كابتين أعل شدو (إلخ)
05.دجنبر 1932 ومحاولة الشيخ محمد المامون الإجهاز
على ما تبقى من
الفرقة المتنقلة للترارزة
يقوم الجهاد لدى الشيخ محمد المامون ولد الشيخ محمد فاضل
ولد محمد، على استهداف جيش الاحتلال الفرنسي حصرا دون غيره. وكان لا يفتأ يذكر
المجاهدين، بأن المستهدف هم النصارى دون سواهم. وأن علي المجاهدين النأي بأنفسهم
عن، الضغائن وتصفية الحسابات التقليدية، والإخلاص في الجهاد لوجه الله سبحانه
وتعالى، والابتعاد عن التعرض للمسلمين وأكل أموالهم. وتتضح هذه الرؤية
الإستراتيجية لدى الشيخ محمد المامون، فيما سبق أن رأيناه، أثناء مخاطبته لرجاله،
أثناء الغزوة المتجهة لآدرار، حيث قال لهم:
يا ارقيب قبل مندفع لا تجرن لخصاره
أحن بالله أبشرع ما أنظر ماه أنصار
كما
تستشف هذه الرؤية، من خلال استقراء ما حدث أثناء معركة توجنين بتاريخ: 1931.09.07،
حيث نلاحظ عدم الإصرار على مقاتلة الحرس، بقدر ما كان عليه الحال مع كتيبة القناصة
السنغاليين. وكانت أمنية الفرنسيين، هي أن ينحو الشيخ محمد المامون منحى مغايرا، فيتعرض للمسلمين المقيمين تحت
سلطة الاحتلال. وهكذا نرى الملازم لورينى Lorinet، قائد الفرقة المتنقلة
لشنقيط أثناء معركة توجنين، لا يلقي بالا لحماية أحياء المدنيين في الباطن، بعدما
علم بمقدم الغزوة. وكان يتمنى أن تسلب الغزوة هذه الأحياء، فينطلق هو وفرقته في
ملاحقتها، ويجدون الفرصة المواتية للدعاية ضد المجاهدين، فيصورونهم على أنهم شرذمة
من قطاع الطرق، غايتها محصورة في النهب والسلب، ولا تتمتع بأي وازع ديني أو أخلاقي.
وبذل الفرنسيون جهدهم دون جدوى، من أجل جر الشيخ محمد المامون إلى شرك الفتنة مع المسلمين.
ظل الشيخ محمد المامون في غلمان يحشد الحشود ويسير الغزوات،
بالرغم من إصابته. وفي نهاية شهر دجنبر من سنة 1932، وبعدما استعاد صحته، انطلق هو
بنفسه، على رأس غزوة ضخمة متجهة إلى الترارزة، لتسديد الضربة القاضية لفرقتها
المتنقلة[25].
وساد الرعب غربي موريتانيا. وواصلت الغزوة سبيلها إلى أن أصبحت على مشارف مربع
الفرقة المتنقلة للترارزة. لكن الفرنسيين فكروا في حيلة لجر الشيخ محمد المامون
لسلب أموال المسلمين أو قتالهم؛ فضربوا دروعا بشرية حول الفرقة المتنقلة للترارزة،
وكانت مشكلة من المدنيين العزل ومن حملة السلاح[26].
فلما لاحظ الشيخ محمد المامون الخطة، عاد أدراجه دون قتال، رافضا أن يجره
الفرنسيون إلى التعرض للمسلمين أو قتالهم. وقد أصر الشيخ محمد المامون على اتخاذ قراره، على الرغم
مما كلف من انشقاق جماعة من غزوته، ورفضها الانصياع لأوامره.[27]
06. اعتزال الشيخ محمد
المامون ومسالمته لاسبانيا
كانت هذه هي آخر محاولة يبذلها المجاهد الشيخ محمد
المامون، ضد قوات الاحتلال الفرنسي. بعدها توجه للمناطق الواقعة تحت الاحتلال
الاسباني، وطلب مسالمة الأسبان ، وكان ذلك على أيام الجنرال الاسباني (كاباص)،
ممثل اسبانيا بالصحراء.
وواقع الحال كما يقول الشيخ محمد المامون، هو أنه، بعدما
دخل الفرنسيون إلى وادنون، واستولوا عليه وعلى قبائله، "علمت أن الصحراء لن
تستقيم وحدها، فلم يبق لي إلا مسالمة الأسبان قبل فوات الأوان، لقطع الوشاية،
والخوف من الأحكام العسكرية الفرنسية الجائرة". [28]
ومن الجدير بالتذكير أن الشيخ محمد المامون، كان قد حوكم من قبل المحاكم العسكرية
الفرنسية، وصدر عليه حكم غيابي بالإعدام، وذلك بعد إفلاته من قبضة سلطة الاحتلال
الفرنسي بتازة[29].
الفقرة الثالثة:
الشيخ محمد المامون من مسالمته الاسبان إلى وفاته
لجأ
الشيخ محمد المامون كما أسلفنا إلى المنطقة الصحراوية الخاضعة للاحتلال الاسباني،
وظل يقيم بها إلى أن أعلن استقلال المغرب بتاريخ: 1956.03.03، فتوجه إليه.
وعلى
الرغم من العلاقة الحميمة التي ربطت الشيخ محمد المامون بالمغرب، فإن ذلك لم يدفعه
أبدا، للتفكير في استساغة حمل السلاح ضد موريتانيا، أيام التجاذبات الصعبة التي
عرفتها العلاقة بين البلدين. وقد كان جريئا في التعبير صراحة، ودون مجاملة عن هذا
الموقف.
وخلال
مرحلة الجهاد الأكبر، ظل الشيخ محمد المامون كما كان ديدنه، يخصص جل وقته لعبادة
ربه، لا يشغله شاغل، ولا يحول بينه وبينها حائل، حتى أتاه اليقين والتحق بالرفيق
الأعلى سنة 1966 بالطرفاية بالمغرب، عن عمر يناهز 93 سنة، تغمده الله برحمته
وأسكنه فسيح جناته مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين.
وقد خلف الشيخ محمد المامون من الولد
اثنين فقط:
ü محمد فاضل الملقب الشيخ
رحمة الله عليه، وأمه لاه بنت سيد أمبارك السباعية، ولم يعقب الشيخ سوى طفلة وحيدة
سماها باسم أمه (لاله) وتعرف ب: "منت أن"؛
ü وميمونه (أمونه) رحمة
الله عليها، وهي غير شقيقة للشيخ، وأمها بنت البشير هي سباعية، من أهل سيدي
عبدالله. وقد تزوج ميمونة، الشيخ محمد ابراهيم بن الشيخ ماء العينين، وأنجبت منه
أولادا، الحمد لله.
أما مؤلفات والتي ضاع أغلبها في ظروف
الجهاد، فهي:
ü "الأسئلة
الناضرة حول الدابة المنتظرة" (طبع بمصر)؛
ü "أسنة الألسنة
في الأمناء والخونة" (استولت عليه اسبانيا قبل الطبع واتلفته)؛
ü "الزهر الزاهر
في مولد أفضل الأوائل والأواخر" (ألف أثناء مقامه بتونس، وضاع أثناء الجهاد
في بلاد البرانص بالمغرب)؛
ü "لحظات القلوب
والمنبئ الخبير الأول في الأدب ومسامرة ترجمان الدول"؛
ü "زمور الرقيبات
وطريق ابن عامر في الحضرات والغيبات".
وفي
الختام أرجو أن تشكل هذه النبذة المقتضبة، عن المجاهد الشيخ محمد المامون ولد الشيخ محمد فاضل ولد محمد، إمام
وقائد معركة " ليلة توجنين الدامية"، كما وصفها النقيب الفرنسي
"دوتوه لويوسكي"؛ إسهاما في ربط ماضي هذا البلد بحاضره، للارتقاء به إلى
مستقبل زاهر، يفخر أبناؤه بتضحيات أسلافهم. تلك التضحيات الجسام التي بذلها آباؤنا
جميعا، ودون استثناء، كل من موقعه، فلجميعهم الرحمة والمغفرة، إنه على كل شيء قدير.
انواكشوط:
2012.09.07
ذ./ محمد
فاضل ولد الجيه
[3] . لويوسكي، دوتوه (النقيب)/ الحكومة العامة
لافريقيا الغربية الفرنسية/ صفحات من التاريخ الإفريقي/ الغزوات على آدرار.ـ
روفيسك: 1942.
[4] .
لويوسكي، دوتوه (النقيب)/ الحكومة العامة لافريقيا الغربية الفرنسية/ صفحات من
التاريخ الإفريقي/ الغزوات على آدرار.ـ روفيسك: 1942.ـ تعريب ذ./ محمد فاضل ولد
الجيه.
[5] . الشيخ مامينا، الطالب أخيار/ الشيخ ماء
العينين، علماء وأمراء في مواجهة الاستعمار الأوروبي: ج2.ـ منشورات مؤسسة الشيخ
مربيه ربه لاحياء التراث والتنمية.ـ ط2 مزيدة ومنقحة.ـ ص453. (أورد الكتاب أسماء
الشهداء بالتفصيل).
[6] .
الإمام في المصطلح الجهادي هو القائد العام، الذي يتمتع بالسلطة الروحية والزمنية،
وله قادة ميدانيون. والشيخ محمد المامون توجنين، كان معه من القادة الميدانيين في
غزوة توجنين كل من القادة المتمرسين: أحمد ولد حمادي زعيم السواعد، أحمد سالم ولد أحمد بابا زعيم
التهالات، والشهيد الزعيم التقي ولد المامي من القرع. والغزوة أو الغزية: هي
المصطلح الذي حملته كتائب المجاهدين، وغني عن التنبيه ما تحمله الكلمة من دلالة
تاريخية مجيدة لدى المسلمين، وتشبث بغزوات الرسول محمد (ص). وقد أقحمت الكلمة في
اللغة الفرنسية Razzia et Rezzous وإن أفرغت من محتواها، وأعطيت في الفرنسية دلالة محقرة. .
[7].
والشيخ محمد فاضل ولد محمد ود أعبيدي هو من وصف بو المقداد ( دودو سك)، في تقريره
مطلع القرن العشرين، بمناسبة انتهاء بعثة بلانشي Blanchet، ما له من دور في آدرار، وما يتمتع به من سلطان ونفوذ لدى كافة
القبائل . وقد رثاه الشيخ سعد أبيه ولد
الشيخ محمد فاضل ولد مامين بقوله:
يا ويح وادان من فقدان ذي حكم
لولاه ما ثبتت في الأرض حيطانه
غوث بشنجيط قد دانت له العلماء لما انجلى فضله وتم برهانه
أطار نال به من العمارة ما
رست به في أساس المجد أركانه
ونال أوجفت من فيوضه منحا أندت محاسنه وقل خسرانه
فهذه مدن بذا الولي علت
كما علت برسول الله (ص) عدنانه
وكل زاو بها للنور مقتبس
من نور غوث على الإلاه أحزانه
(إلى أن يقول) :
يحيى بن عثمان قد أضحى بقبضته دانت جعافره طرا وغيلانه
هذا مع الزهد والإعراض عن عرض
الدنيا التي من بغاها بان خسرانه
فهو عالم ذاك القطر صالحه جواده وفتاه وهو سلطانه
[8] . سعدبوه محمد فاضل بن الشيخ سعدبوه، نقلا عن
المجاهد، الشيخ محمد المامون ولد الشيخ محمد فاضل ولد محمد نفسه.ـ مخطوط أعد
بمدينة العيون (الساقية الحمراء) بتاريخ: 29 محرم 1422 هـ الموافق 2001.04.22
[9] . سعدبوه محمد فاضل بن الشيخ سعدبوه، نقلا عن
المجاهد، الشيخ محمد المامون ولد الشيخ محمد فاضل ولد محمد نفسه.ـ مخطوط أعد
بمدينة العيون (الساقية الحمراء) بتاريخ: 29 محرم 1422 هـ الموافق 2001..04.22
[11] . دوتوه، لويسكي (النقيب) بصدد التاريخ، ثم راجع
رواية محمد فاضل ولد الشيخ سعد بوه نقلا عن الشيخ محمد المامون رحمة الله عليه.
[17] . Centre de préparation au brevet de hautes
études d’administration musulmane, MARTIN (lieutenant interprète à Saint Louis
du Sénégal)\ L’Islam maure : notes réservées aux administrateurs en stages
et ne doivent pas être communiquées ni utilisées à l’extérieur. 10.05.1937.
[18] .
يقول الشيخ محمد المامون بهذا الصدد:
لعرب سل
والطرش أنغموش أسلمون
إل مزال فالمل والعهد أمعاهم
فم إكون
أرقيب أمسلم غير أل بجماعت محمد المامون واكتنكم ياغيلان أن واتموت ماه أعل سنه
والمغبون أفكل أمدن وإموت
الماه مغبون فالصنكه لا
تموتن إلا وانتم مسلمون
[24] . ومن نص "التهيدينه": بسم الله أعلى رد أخبر. الصنتول يا السامعين. ما أخطر فات أعلى قلب
بشر. أعطاه الله أل مجاهدين. بيه ملائكه تفتخر. بيه ملائك مسومين. ....أعلي
أبلحلال ما يشوف حد. الشهداء متنزهين. بين الحوريات يتبختر. كل واحد فأثواب
مطهرين . لابس أمن السندوس الأخضر. أبتجان
العز متعمين. متفرشين من الياقوت الأحمر. بالروح والريحان متحنيين. ماهم جايين من
كرش اندر. ولاهم فأصباني معدلين. ... حد أسمع ذا () متيقن ويقين أمتين. أتل أعلى
أطار فالدهر يخطر. وأل أعلى بلاد أهل أمحمد شين. وأل أعل الطرفاي إدور. لكان فيه
الشيخ ماء العينين. وأل إج التيزنيت إتجر. خل عنكم ذاك التحيرفين. الدين ما ينصر
المانتصر. فاكتاب الله المبين. ما ينتصر يكون بالصح واصبر. والعزم واليقين. سلم كاملين لا أنكثر يل إسلمكم
كاملين. الله أكبر الله أكبر. جاهد لله متوحدين. لا يفوتكم أمتثال الأمر.
[27] . لويوسكي.ـ الغزوات على آدرار: الفصل الحادي
عشر: أم التونسي. (كان عدد المنشقين على الشيخ محمد المامون 70 رجلا وهم من شكل
لاحقا، ما عرف بغزي شرواط).
[28] . سعدبوه محمد فاضل بن الشيخ سعدبوه، نقلا عن
المجاهد، الشيخ محمد المامون ولد الشيخ محمد فاضل ولد محمد نفسه.ـ مخطوط أعد
بمدينة العيون (الساقية الحمراء) بتاريخ: 29 محرم 1422 هـ الموافق
2001.04.22.