الأربعاء، 21 نوفمبر 2018

مقتطفات من يوميات المجاهد الجيه ولد الشيخ محمد فاضل ول محمد لعبيدي




مقتطفات من يوميات المجاهد  الشيخ الجيه ولد 
الشيخ محمد فاضل ولد محمد لعبيدي

في ليلة مقمرة من ليالي خريف عام 1871 بواد غير ذي زرع من منطقة آدرار بدأت علامات المخاض تظهر على أم الولي المجاهد الشريف السيدة صفية منت محمد عبد الله ولد أفلواط ولد مولود ولد بارك الله لتنتهي بولادة يسيرة لم يصاحبها طلق و لا ألم فيتباشر أهل الحضرة و الدوحة النبوية الشريفة بميلاد الولد الذكر الثاني للقطب الرباني العارف بالله الشيخ محمد فاضل ولد محمد
و كما تعارفت عليه الناس من سنة ,اختار الشيخ لابنه المولود من الأسماء اسم الجد المؤسس الجيه ليحمل في ما بعد اسمه مقرونا باسم أبيه الجيه ولد الشيخ محمد فاضل ولد محمد
ترعرع المولود الجديد داخل دائرة الضوء نظرا للإهتمام المبالغ فيه من طرف الشيخ الوالد الذي نهل على يده من المعارف و تذوق القرآن و تدبره 
و بعد بلوغه العاشرة من العمر أظهر تميزه و إستقلال شخصيته المتمثل في رعاية بعض مصالح والده و اهتمامه بشؤون السلطة الدينية و تدبير شؤون الناس
و في عام الحزن و في يوم أغبر ضعفت فيه أشعة الشمس أصيب الجيه كما غيره برحيل الوالد و الشيخ و المعلم و السند لقد انتقل الي الرفيق الاعلي الشيخ محمد فاضل ولد محمد ولد أعبيدي .....
بعد انتهاء فترة التعازي من القبائل و الوفود القادمة من كل أصقاع أفريقيا و في غياب الإبن البكر الشيخ محمد تقي الله أجمع قادة الرأي و أهل الحل من قبيلة  أهل الشيخ محمد فاضل و على رأسه محمد غلام الملقب النان و محمد عبد الرحمان الملقب ابياه و هما أبناء إخوة الشيخ محمد فاضل و أهل خاصته فأختاروا الجيه مرجعية روحية و خلفا لحمل الأمانة بعد رحيل والده فعم الفرح و البهجة  و صدعت الحناجر  مغنية  تمجيدا للحدث باشوار من مثل :-
يا ون هاه و ي ونا @الجيه أخليفت بوه ان
و نظمت القصائد الفصيحة و الشعبية فقال و اعمر ول اباري من طلعة طويلة يقصر المقال عن ذكرها
بيدك  ي وكاف امرافيع@@ الغلظ ؤ سكام امناجيع
الشكر ازين البيه اتشيع@@تسمع وذنك حك الفكاك
ي قطب أزمان المطيع@@ لله العظيم المسواك
عادم من محدم رضيع@@ ما فت أبلغت اظهر مزاك... 
و بعد توليه مسؤولية القيادة اهتم بمواصلة كل التفاصيل التي دأب الشيخ على تسيير الأمور بها و أستمر على هذه الحال زهاء العام الى أن وصل شقيقه الأكبر الشيخ محمد تقي الله قادما من النمجاط ليلبسه رداء الأمانة و يضع في رقبته البيعة التي بويع بها في غيابه بوصفه الأكبر و الأحق بها من غيره
لم تجري الأمور كما شاء الجيه فبسرعة لم يتوقعها اعترض بنو عمومته و الزعامات القبلية المعنية على إعادة هذا التكليف الى الشيخ محمد تقي الله مما سبب شرخا واسعا في ما بعد بين افراد القبيلة أدى الى زحف بعض مكوناتها الى جهات أخرى تعبيرا عن الإنفصال و رفض الأمر الواقع 
إستمر هذا الحال ردحا من الزمن الى أن وصل المستعمر الفرنسي منطقة آدرار فتغيرت الاولويات و أختلفت معايير الولاء و شغل القادة الروحيون تفكيرهم بمهام أخرى رأو فيها استجابة لنداء الجهاد و طاعة الخالق
و في يوم كان فيه الطقس صافيا و السماء زرقاء تلوح في وسطها أشعة الشمس الذهبيه و قد اشتغل الجميع بمختلف أعمارهم بالمرح و استقبال يوم جميل أرسل الجيه يأمر أخاه الشيخ محمد المامون بالإلتحاق به خارج مضارب الخيام و في جلسة سرية تم بحث مستجدات الوضع و طرق التعامل معها و كيفية ذلك لينبثق عن هذا الاجتماع الهام  الإتفاق على ضرورة الجهاد و  تقاسم الأدوار  و حدوده و أرضه مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة التماسك و للإلتفاف العلني خلف المواقف السياسية للشيخ و الأخ الأكبر و مواقف صهره و إبن عمهم شيخنا الشيخ سعد أبيه ولد الشيخ محمد فاضل ولد مامين الذي يرى أن التعايش مع النصارى مع احترامهم لعادات الناس و دينهم أولى من محاربتهم و من المواجهة غير المتكافئة معهم
بدأت مناطق البلاد تشهد تحولات متسارعة بسبب الوضع الاستعماري الجديد فانتقل الشيخ محمد المامون من رحلة الحج الى بلاد الريف و بدأ عمله الجهادي العلني و بدأ الجيه تنسيقه مع المجاهدين في تيرس و عموم بلاد الساحل سرا حتى لا تتأثر التزامات أخيه الشيخ محمد تقي الله  متخذا من ارض السودان قاعدة أمامية متقدمة لعملياته و   بعد ان شك الفرنسيون في الدواعي الحقيقيه  التي دعته للزواج و التجارة  سجنوه في غينيا كوناكري  و بعد قضاء فترة  سجنه اصبح دوره الجهادي مكشوفا   و تعاظمت الشكوك من حوله   فقرر الرجوع لأرضه و أهله  تاركا وراءه ولده البكر محمد ابو الانوار من زوجته الغينيه .. و اتخذ من  شنقيط - حيث توجد الكتيبة الفرنسية - سكنا له و تزوج من السيدة خديجة بنت عبابة الأخت الشقيقة لأمتها بنت عبابه التي كانت زوجة للقائد الفرنسي ....
ظل الجيه ولد الشيخ محمد فاضل وفيا لرحلتي الشتاء و الصيف من و الى تيرس و الساحل و السير قدما في ما اتفق فيه مع أخاه الشيخ محمد المامون في سرية تامة بما يفيد العمل الجهادي و التخطيط له و البحث عن السلاح و المؤونة للمجاهدين 
لقد واجه الجيه ولد الشيخ محمد فاضل في كل مرحلة من مراحل جهاده الوشاة بعد و أثناء كل رحلة يقوم بها فأبلغوا القوات الفرنسية عن النشاط الجهادي الذي يقوم به في أرض الساحل و لم يستطع المستعمر التعامل بجدية مع الكائدين بسبب مواقف الجيه المعلنة و مكانته الاجتماعية فصبروا على ذلك الى حين قدوم ابنه الأكبر محمد فاضل  لأمه الرقيبية من مخيمات الشمال الى أدرار مما أثار غيرة زوجته منت عبابه فعملت بمساعدة أختها صاحبة النفوذ الواسع على تأكيد الوشاية للكتيبة الفرنسية فعمد الفرنسيون على إبعاده من منطقة آدرار و سجنه بالمذرذرة حتى ينقطع تواصله بالحركات التحررية في الشمال
و أثناء تواجده بالسجن قام ابن عمه الشيخ سيداتي ولد الشيخ سعد بوه رفقة أمير اترارزة  بمبادرة للفرنسيين تحول بموجبها من السجن الى الرقابة القضائية داخل المذرذرة و لم يزل كذلك الى أن فاجأ جلساءه يوما بصيحة تلبية نداء من مجهول بعبارة " هو هو " أي نعم نعم و لم يبت ليلته تلك بالمذرذرة ليصل الى واد تيارت قرب أطار في وقت قياسي إعتبر كرامة لولي هناك التقى مصدر النداء الذي سمعه في المذرذرة و هو للسيد عابدين ولد أعمر الظايه الذي قال له لقد زارني في النوم والدك شيخي الشيخ محمد فاضل و أمرني بأن أناديك و قد فعلت ثم انتقل الى تزكرز حيث زوجة أخيه الشيخ محمد تقي الله  و ابنة مريد ابيه السيده الفاضله  الباشا منت سيد المين حيث أخذ قسطا من الراحة و طلب منها كتم أمره بعدها وجه وجهه شطر الزيارة للوقوف على مزار أبيه و كان يوصي كل من يلقاهم بكتمان سر وصوله الى أجل غير مسمى
بعد زيارة والده الشيخ محمد فاضل انتقل الى شنقيط حيث بيته و زوجته ليجد أن القوات الفرنسية أصدرت تعميما في كل مستعمراتها بضرورة اليقظة و الاستنفار الدائم بعد إختفاءه عن الانظار من منفاه بالمذرذرة لكن التدخل الثاني للشيخ سيداتي ولد الشيخ سعدبوه و احمد سالم أمير اترارزة  و إقناعهم الإدارة الفرنسية أنه لا ينوي مواجهة و لا تواصلا مع المجاهدين في الساحل و تواجده في شنقيط بينهم و تحت أعينهم خير دليل على ذلك جعل الفرنسيين يتركونه تحت المراقبة الإستخباراتية دون اعتقاله .. طلق زوجته بعد وصوله بقليل مما جعله بعيدا عن اعين الكثير من المتربصين به ليتمكن لاحقا من إعادة بناء الخلايا الجهادية و إستئناف نشاطه الى أن سقط جريحا بعد اصابته بطلقة على مستوى الساق لم تمهله لتدبر أمره في موقعة قرب تيشيت فوقع أسيرا  بايدي المستعمر و أثناء نقل السجناء تم تكليف أحد المجندين الزنوج بمراقبته و التعامل معه بقسوة و شدة 
و في المسير الطويل و جرح المجاهد الجيه ينزف دما إختلف مع سجانه على ضرورة التطهر و الوضوء للصلاة و عملا بالتوصيات قام المجند السنغالي بطعنه بحربة  بندقيته المسمومة ( بينتفي الظهر ضربة أسقطت المجاهد على الأرض مغشيا عليه .... فتقدم القائد سيد أحمد ولد محمد ازناكي  باعتراض شديد لدي قائد المفرزة الفرنسي علي هذا التصرف الشاذ  تجاه سجين  معقبا ان الطعنة الحاقدة  ليس وراءه سوي العنصرية   و الحقد .. فنقل القائد مهمة  نقل و مرافقة السجين المجروح لولد محمد ازناكي...
وصل الشيخ المجاهد سجنه في اندر( سينلوي لاحقا ) و هو مخضب بدماءه و مكث فيه ما شاء الله و صحته تسوء بسبب تأثره بضربة الغدر و الخيانة
 و تأكد سجانوه من موته المحتوم و خافوا أن يموت بين أيديهم فيتهمون بقتله و يواجهون ضربات انتقامية من المجاهدين قاموا بإطلاق سراحه ليغادر مباشرة مع زوجته التي تعرف عليها في السجن و كانت حاملا في شهرها التاسع و التي ستضع مولودها محمد المامون في رحلة العودة أثناء الطريق
عاد المجاهد الجيه ولد الشيخ محمد فاضل و استقر بادرار و رزق بها ابناؤه و لا تزال فكرة الجهاد تراوده و لا يمنعه منها الا حمى شديدة رافقته طيلة حياته من بقايا تأثير السم في جسمه
و في رحلة اللاعودة أوصى المجاهد الشهيد إبنه البكر محمد فاضل بإخوته خيرا و قال له خذ بأيديهم لعلي لا ألقاكم بعد يومي هذا

و في يوم حزين يشبه بالعلامات رحيل والده و بمنطقة تاسكاست في تكانت أصابت الجسد الشريف الحمى اللعينة ليسلم  شيخنا الجيه ولد الشيخ محمد فاضل ولد محمد روحه لبارئها سنة 1936   ليوارى الثرى هناك عن عمر ناهز الخمسة و الستين عاما حافلة بالعطاء  و البذل ليسدل الستار على رحلة رجل لا كالرجال تنكر التاريخ لتضحياته و مواقفه فوداعا و رحمة لروح المجاهد الشهيد ناصر الحق و معيل اليتامى و نصير المحتاج